Analiz: حامي الشرف - الدكتور همام محمود حسن الله

2024

 الساعة 12:079

حامي الشرف - الدكتور همام محمود حسن الله

كلماته الشهيرة قبل استشهاه:

"إذا غادرت من سيراعي مرضاي؟ هم ليسوا حيوانات ولكن لهم الحق في الحصول على رعاية صحية مناسبة, هل تعتقد أنني درست الطب لمدة 14 عامًا فقط من أجل التفكير في حياتي فقط وعدم التفكير في مرضاي؟"

الدكتور همام محمود حسن اللوح طبيب فلسطيني وله طفلان  وقد وُلد في غزة في 26 أبريل 1987و استشهد في غارة جوية إسرائيلية في 12 نوفمبر 2023  حيث كان عمره 36 عامًا وقت استشهاده.

 تخصص الدكتور همام في أمراض وزراعة الكلى وارتفاع ضغط الدم وقد عمل في الجامعة الإسلامية في غزة و في جامعة الأزهر في كلية الطب وعمل كذلك في  كل من مستشفى الشفاء ومستشفى شهداء الأقصى

حصل الدكتور اللوح على تعليمه الأساسي والثانوي في مدارس غزة  ثم تخرج من كلية الطب بجامعة صنعاء في عام 2011 و تخصص في الطب الباطني وأمراض الكلى في الأردن بمنحة طبية من برنامج المنح الطبية للهلال الأحمر القطري فقد حصل على المركز الأول في امتحانات المجلس العربي والأردني. في عام 2018 وقد تم تعيينه طبيب كلى في مستشفى الأردن ثم عاد لاحقًا إلى غزة ليصبح أخصائي الكلى المميز في المنطقة و كان أيضًا أحد استشاريي الهلال الأحمر القطري الذين ساهموا في تنفيذ مشروع "العمليات الجراحية المتخصصة للمرضى الفقراء في غزة"

قال الطبيب الفلسطيني حازم ماضي: "المقابلة الأخيرة مع الدكتور همام تكشف عن حقيقة طبيعته وإنسانيته، لم يترك عمله ولم شرف مهنته وظل في شمال قطاع غزة حتى آخر نفس له فقد كنت أعرف همام كزميل محترم مخلص لمرضاه ولم يتنازل عن مبادئه ورسالة مهنته". قابلته ضمن برنامج تدريب الأطباء الأردنيين في غزة وكان هناك حوالي مائة طبيب، وواصلنا تدريبنا التخصصي في عمان قبل العودة إلى قطاع غزة ثم عملنا في وزارة الصحة ثم انضممنا إلى كلية الطب في الجامعة الإسلامية بغزة كمحاضرين وقبل الهجوم الإسرائيلي انتقل للعمل في مجمع الشفاء ومستشفى شهداء الأقصى في وسط قطاع غزة

بدأ الدكتور همام إقامته الجامعية في كلية الطب بجامعة صنعاء في اليمن، حيث تخرج بتفوق وحصل على درجة البكالوريوس في الطب ثم عاد إلى غزة للحصول على الشهادة اللازمة لممارسة مهنته وانتقل إلى الأردن حيث تخصص في الطب الباطني العام وحصل على المركز الأول وقد  قام بتدريب الأطباء المتدربين الأردنيين في التخصصات الطبية لاجتياز امتحان المجلس الأردني كما استمر في التخصص في أمراض الكلى وزراعتها نظرًا للحاجة الكبيرة لهذا التخصص في قطاع غزة، وعاد إلى وطنه في عام 2021

كان الدكتور الشهيد قد عاد إلى غزة منذ أقل من عامين وكان يتوقع ولادة طفله الثالث و يصفه  صديقه الدكتور حازم: "كان طبيبًا صبورًا كان يشرح كل التفاصيل للمرضى  يستمع إلى آلامهم ويجيب على أسئلتهم كان طبيبًا لامعًا مطلعًا على الدراسات العلمية والمراجع وكان يقضي معظم لياليه في المستشفى".

انضم الدكتور همام إلى قافلة الأطباء الشهداء في قطاع غزة، وهو يعلم أن إسرائيل كانت تستهدف أي شخص يرتدي زيًا طبيًا

قال الطبيب الفلسطيني محمد الحاج الذي تخصص في الطب الباطني لقناة العربي الجديد: "التقيت به أثناء إقامتي في الأردن وكان أكبر مني احتضنني أنا وزملائي من غزة وأصبح كالأخ الأكبر لنا و من الناحية العلمية كان معنا خطوة بخطوة خلال إقامتي وكنا نستشيره في أي مسألة و كان دائمًا يدعمنا ويتفقد احتياجاتنا ومشاكلنا ولم يتردد أبدًا في تقديم الدعم والمساعدة. كان أخًا كبيرًا ومساندا وكانت شخصيته تجسد المعرفة والأخلاق واللباقة لدرجة أنه في الأردن كان يُسمى 'الأسطورة"'"

في 12 نوفمبر 2023 استهدفت غارات جوية إسرائيلية منزل عائلة زوجته بالقرب من مستشفى الشفاء، حيث ذهب ليأخذ قسطًا من الراحة بعد يوم عمل طويل و استشهد الدكتور همام اللوح مع والده، وحماه وأخيه

كانت رسالته الأخيرة قبل استشهاده عندما سألته الصحفية الأمريكية آمي جودمان لماذا لم يذهب من المستشفى إلى مكان آمن في الجنوب فأجاب: "إذا غادرت من سيراعي مرضاي؟ هم ليسوا حيوانات ولكن لهم الحق في الحصول على رعاية صحية مناسبة. هل تعتقد أنني درست الطب لمدة 14 عامًا فقط من أجل التفكير في حياتي فقط وعدم التفكير في مرضاي؟"

من الجدير بالذكر أن والدة الدكتور اللوح هي الدكتورة  هيفاء السراج، التي تعمل أيضًا كطبيبة، كانت محاصرة بالقرب من المنزل مع زوجته وطفليه البالغين من العمر خمس وأربع سنوات  مع أقارب آخرين بما في ذلك الأطفال ولم يتمكن الدفاع المدني من الوصول إليهم.

قال الدكتور بن طومسون طبيب الكلى الذي يعمل في كندا وغزة: "كان يريد لأطفاله أن يعيشوا يومًا ما حياة حرة وعادلة ودائمة في فلسطين دون احتلال". وتحدث طومسون عن الرسالة التي كان يحملها الدكتور اللوح على عاتقه، وقال إنها دفعته إلى تكثيف تصريحاته الأخيرة وظهوره الإعلامي، "مؤكدًا أنه إذا اكتشف العالم ما يحدث في غزة، سيتدخل وينهي معاناة أهل غزة". وأضاف: "مثل العديد من الأطباء في غزة على مدار الشهر الماضي، ظل اللوح ملتزمًا بمرضاه واعتنى بهم رغم كل ما واجهه"و في إحدى المقابلات، قال إن اللوح كان يخبر العالم بالحقيقة حول الفظائع التي يمر بها الناس في غزة، بينما كان منزله يُقصف وتتحطم نوافذه وفي احد الايام  ذهب  الدكتور اللوح للاطمئنان  على أطفاله ووالده الذي كان يعيش معه وضعهم في غرفة، ثم عاد وأكمل المقابلة ثم  عاد إلى العمل في اليوم التالي، وكان هذا هو مستوى التزامه"

 وصف اللوح الحصار الإسرائيلي المستمر على غزة بأنه "حكم بالإعدام""وقي مقابلة مع قناة سي بي سي الفضائية

وفي مقابلة مع صحيفة لوس أنجلوس تايمز في 19 أكتوبر، تحدث اللوح عن حجم الكارثة في مستشفى الشفاء ومعاناة الطاقم الطبي قائلًا "إن الأطباء كانوا يحاولون الاستمرار في العمل رغم كونهم في خطر ويفتقرون إلى الاحتياجات الأساسية. ووصف اللوح الوضع في غزة قائلاً: "المنازل ليست آمنة و كذلك المستشفيات ليست آمنة وتساءل ماذا يجب أن نفعل؟ هؤلاء الناس يحتاجون إلى المساعدة و لا يمكننا أن ندع هذا يؤثر علينا"

وأضاف أن المستشفيات كانت بالكاد قادرة على تقديم الرعاية المنقذة للحياة بسبب نقص الموارد وانهيار البنية التحتية. تحدث الطبيب الشاب بحزن عن تدهور الأوضاع في المستشفيات قائلاً: "لقد عدنا 100 سنة إلى الوراء. كانت الأمور سيئة حتى قبل هذه الحرب. ولكن الآن، تعتبر اختبارات الدم البسيطة وما تعتبره الطب الحديث أساسيًا من الرفاهيات".

""لقد أجبرنا الوضع على اتخاذ سلسلة من القرارات الرهيبة، وتحديد من يعيش ومن يموت" و أضاف. "منذ بضعة أيام، كان علي أن أختار بين مريضين يحتاجان إلى غسيل الكلى وكان أحدهما امرأة تبلغ من العمر 90 عامًا ة الاخر شاب في مقتبل العمر ". قال: "منحتها اي المريضة المسنة  بعض الوقت، لكن كان يجب أن أُعطي الأولوية للشاب". وأكد قائلاً: "أنا محبط لأنني اضطررت للقيام بذلك، ولكن يجب علي استخدام الموارد التي لدينا بأفضل شكل"

وفي مقابلة أخرى مع آمي جودمان بعد قصف مستشفى المعمداني في 18 أكتوبر 2023، اضاف اللوح بأن  "حوالي 40,000" شخص يبحثون عن مأوى خارج مباني المستشفيات في غزة و تحدث اللوح ضد القصف قائلاً: "هذا المبنى يسمى مستشفى المعمداني… هل أنا واضح؟ إنه مستشفى المعمداني. ليس له علاقة بالإسلام أو أي مجموعة متطرفة"

هذا مستشفى قديم جدًا، عمره أكثر من 100 عام. لذلك فهو يقع في منطقة كثيفة السكان و قد تم  قصفه في اليوم السابق، لكن المرضى، والناس الذين كانوا يلجأون اليه والطاقم لم يتمكنوا من مغادرة المستشفى  علما بأنه لا يمكن ان تغادر  الطواقم الطبية المستشفى لأنه إذا خاف على حياتهم ويفعل نفس الشيء باقي الطاقم الطبي من أطباء وممرضين، فلن يبقى أحد لعلاج الآلاف من المرضى كل يوم!

في 18 أكتوبر، تحدث الدكتور همام الله إلى موقع "حابيست هيلث" الطبي عن مأساة مرضى الكلى في غزة الذين يحتاجون إلى غسيل الكلى وكذلك عن أولئك الذين يعانون من الأمراض المعدية وأعرب عن قلقه من انتشار هذه الأمراض بين الناس بسبب الإهمال الطبي وقال لموقع "الشؤون الدولية" في 7 نوفمبر إن الحصار الإسرائيلي يؤدي الى توقف إمدادات الأدوية ومشتقات الدم ، والمياه النظيفة، والطاقة والكثير من الأشياء الأخرى

لقد حدث ذلك بالفعل، حيث تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بتشديد الحصار على سكان غزة يومًا بعد يوم، مما يترك 2.3 مليون شخص جائعين وعطشى ومحرومين من جميع البنى التحتية الحيوية وكما حدّد الدكتور همام فإنهم فعليًا يُدفعون إلى الموت الجماعي

نصلي إلى الله أن يرحمه ويرحم أقاربه، والمئات من الآلاف من الأبرياء الذين تم ارتكاب مجزرة بحقهم في غزة والأراضي الفلسطينية بسببه

أود أن أشكر الطبيب المتدرب الدكتور يوسف أبو العيد والكاتب الصحفي مصطفى إالقيشي على مساهماتهم

و الشكر كذلك للاستاذ الدكتور صبحي سكيك للمراجعة و الترجمة الى العربية

الأستاذ الدكتور أورهان عليموغلو
جامعة إسطنبول ميدينيت